-->
كنز المعرفة كنز المعرفة
random

مواضيع مميزة

random
random
جاري التحميل ...
random

لوني المفضل


أحاول جاهدا أن أهرب من سطوته، ولكن في كل المرات أجده مسيطرا على كل شيء، اختياراتي لملابسي، لون الحذاء،  فهو للأسف اللون المحبب -رغما عني- لي. كم تمنيت أن أصاب بعمى الألوان حتى أراه مختلفا، أن يأتي لي أحد بهدية لا تحتويه كلون اساسي من مكوناتها. أنظر في المرآة فأجد لون النن أسود، والهالة التي تحيط عينيَّ، ولون شعري، وربما في أحيان لون وجهي، واعتقد أن قلبي به بقع سوداء بفعل التدخين، أخاف أن انزف يوما فأجد دمي أسودا فاقدا لونه الأحمر القاني.

كان لابد أن أثور عليه، فمطاردته لي في كل الأحيان تجلب لي إحساسا طاغي بالحزن وقرب الموت، هو لون جلباب أمي الذي ارتدته لسنوات حزنا على أبي، وهو اللون الذي يسيطر على كل الأشياء حين تغمض عيناي، فبدلا من تخيل الأشياء بألوانها يأتي بثقله ليهيمن على كل شيء وتسود الظلمة المكان والتفاصيل.

الألوان ليست مهيمنة بفعل قوتها الذاتية، ولكنها حالتك، ربما ترى الأشياء ناصعة البياض والشفافية، وربما ترى الحياة وردية، أو بنفسجية، أو بلون البرتقال أو الليمون، أو بلون آخر يعبر عن نفسه في مزيج تختاره أنت دون أن يفرض عليك من خارجك كقوة غيبية، والأسود هو لون وثيق الصلة بالحزن والاكتئاب والموت، فمن تكون.. تصبح اختيارتك في الألوان.

هكذا سارت حياتي في السنوات الثقيلة الماضية، يغلفها السواد، للدرجة التي جعلتني أمقت هذا اللون من فرط إحساسي بقرب نهايتي تحت وطأته. قررت وقتها بشكل إرادي أن أتخلى عنه، فربما حين تغيب الأشياء عن حضورها الثقيل في شتى تفاصيل حياتك، تبدا في فقد اهميتها وقوتها التي اكتسبتهما بفعل العادة. اخترت قمصانا برتقالية وحمراء، وأنا اعلم أنها لا تتناسب بدرجة كبيرة مع سني الذي اقترب كثيرا من حافة الخمسين، حتى الحذاء ولون الحزام استبدلتهما بالبني، اخترت فرشة أسنان حمراء، وسعدت جدا لانتشار الشعرات البيضاء بكثرة في رأسي.. كل ما أريده فقط أن يصبح الأسود ككل الألوان له مساحته دون أن يكون الأوحد، سيساعدني هذا بالتأكيد على رؤية الحياة بألوانها الطبيعية، لا أن أراها لونا واحدا.

التعليقات



تابعونا على تويتر

تابعونا على الفيس بوك

جميع الحقوق محفوظة

كنز المعرفة

2016 | Development by sayed yassin