ما دفعني لاتخاذ قراري بالكتابة عن صديق لي، أنه مع الأسف الشديد لن يكتب عنه غيري، فلن يخطر ببال أحد، ليس بالتأكيد من باب سعة مخيلتي التي لا يضاهيها خيال آخر، فوالدكم عاش بسيطا بلا أي استعلاء وكان يرى نفسه مجرد شخص مجتهد في حياته لا أكثر ولا أقل. أولادي..حديثي عن صديقي هذا لا يعني أنني كنت الصديق الوحيد له ولايعرفه أحد غيري.. أنا فقط .. لا بل كان أصدقائه كثر ، وأرجو قبل البدء في الحديث عن صديقي أن تلتمسوا لي العذر أني اخترته من دون الأصدقاء ولكن عزائي الوحيد أنكم تحبوني مثلما أشعر تجاهكم تماما، وأن حديثي عن صديقي هذا ربما ستخرجوا منه بمعنى إنساني مفيد.. وسأدخل الآن في الموضوع مباشرة متمنيا أن أوفق في مهمتي.
يحكى في وقت ما، أن شخصا أطلقوا عليه “شكل” (من كثرة المشاكل)لم يكن اسمه في الحقيقة هكذا، ولكن تعود أصدقائه ومعارفه وجيرانه على أن ينادوه به طيلة الوقت تناسى كل من يعرفه اسمه الأصلي .كان هذا في صغره عرف صديقي بهذا الاسم ولا أدري من أطلقه عليه وهو اسم بعيد كل البعد عن شخصية صديقي وعن أخلاقه وصفاته..
لم يكن صديقي سوى شخص عادي يحب الحياة، ولكنها للأسف لم تحبه! أو قولا لم تقدره تماما كما كان يستحق.. لذلك عاش عمره كله تقريبا في جو من الوحدة والشعور بالحزن.
كان (شكل) يجتهد في حياته بقدر المستطاع، بل كان يضغط على نفسه كثيرا ليعمل كل ما بوسعه عمله ما دام مقتنعا به ويرى فيه نفعا للناس، حتى لو كان كارها بعض الشيء له، أو كان فوق طاقته وقدراته الصحية، وبالتالي كانت تضحياته كثيرة وجاءت غالبيتها بتأثيرات سلبية عليه، أصبح شبه منعزل منع نفسه عن أصدقائه وأحبابه في هذه الأثناء فقد (شكل )الكثير من أحبائه إما في زحام الحياة .. لا أدري ما سبب تمنعه فجأة عن الناس وخاصة عن أصدقائه.استغربت كثيراً من حاله هذا ومآثرته للوحدة فجأة وبدون سابق إنذار حاول أن يفقد صداقة أصدقائه والناس..رغم أننا بدون الصداقة نصبح مثل الأشجار اليابسة بلا زهو وجمال.. بلا وريقات خضراء فالصداقة تشعرنا باستمرار الحياة وقدرتنا على العطاء .إن الصديق الصدوق، تسأله فيجيب، يفاجئك بكل جديد ومدهش، ينير عقلك ويشبع رغباتك في حب الخير وحب الناس، ينعش أحاسيسك ومشاعرك، وينمي ملكاتك ومواهبك، ويصفي ذهنك ويخصب أفكارك، يشعرك بشكل أعمق بإنسانيتك،استغربت فعلاً لموقفه هذا وبعده عنا جميعاً بهذا الشكل ..للأسف لم نستطيع أن نثنيه عن بعد عنا بهذا الشكل .. كنت دوماً أحس بأنه خائفا من شئ ما ..وأخيراً عرفت بعد موته ورحيله عنا سبب خوفه الدائم .كان خائفا أن يتسبب موته المفاجئ في تعاسة أشخاص تعلقوا به .فقد كان كثير الكلام عن الموت ..وهنا بطل العجب!....
بدأت صداقتي بـ(شكل)منذ بداية عهدي بالحياة من المرحلة الإبتدائية ثم توالت واستمرت وأشتركنا معا في معظم الأصدقاء الأخرين وكان معظمنا لايختلف عن الآخر في الأخلاق والصفات جمعتنا طبائع وعادات شبه مشتركة ..وكأننا مشتركي في الجينات الوراثية تحدثوا عنا بأننا اهل سهر ومرح وبأننا جيل فاشل ..رغم أننا جميعاً لم نكن يوماً من الأيام ننساق وراء أهواء النفس ومساوئها .كنا في كل مكان وفي أي وقت متواجدين مع بعض وكأننا عشيرة وأهل .وصديقي (شكل) كان من أفاضلنا في دماثة الخلق والروح الطيبة والكرم الزائد الذي ورثه عن أهله الطيبين..وهنا لا أنسى ونحن في المرحلة الإبتدائية حينما كنا نذهب إليه في منزله كم كان كريماً لدرجة اننا كنا نأخذ بجيوبنا الأرز المطبوخ (الرز المعمّر) أنا وأصدقائي ونحن خارجين من منزلهم ولم نلاحظ عليه أي رد فعل كالغضب نتيجة لفعلتنا تلك أو حتى من السيدة الكريمة والدته..ولعلني أتذكر هنا سبب تسميته بهذا الأسم (شكّل) ليس بسبب كثرة مشاكله مع الآخرين ولكن بكثرة المشاكل والحوادث التي حدثت له وأتذكر منها أنه كان سيغرق في ترعة (هلول) أثناء عودتنا من المدرسة الإعدادية في طنبول الكبرى وقذف بنفسه في الترعة وهي ملئ بالماء وهو لا يعرف السباحة أصلاً.وأنقذه من الغرق حينها شاب من أهل البلد الطيبين .ومواقف أخرى كثيرة جعلتنا نطلق عليه هذا الإسم (شَكَل)
أولادي..لقد مات (شَكَل) وأعلموا أنه ليس هناك إيلاماً على النفس أشد من أن تتلقى نبأ وفاة شخص عزيز عليك خاصة إذا كنت قد صادقت هذا الصديق منذ فترة طويلة وبقى وفياً لهذه الصداقة الحميمة إلى آخر لحظة في حياته .صحيح أن الموت هو نهاية رحلتنا في الحياة ولابد أنه يلاقينا يوماً ما عاجلاً أم آجلاً ولكن في جميع الأحوال فالموت يتسلل إلينا خلسة ويخطف منا أعزاءنا واحداً بعد الآخر دون أي إنذار.فلا يفجع الفؤاد ويحرق النفس مثل أن تفقد عزيز إنه أكثر الأحزان والآلام توغلاً في القلب والروح وحتى البدن وذلك أن طعم مرارته لا تطاق .هو الموت نهاية النهايات وغاية الغايات وهادم اللذات .ذلك أن الغربة والهجران والبعد عن الوطن والأهل وقسوة الحياة هي فقد بغيض ومرير لكنه ليس قوي وصريح وحاسماً مثل الموت الذي يحضر مقتحماً فينهي كل شئ واي شئ.الموت يأخذ منا الأحباب ويبعد عنا الأهل والأصحاب دون إنذار ولا يسبقه عتاب..
أولادي، كونوا كا(شكل) فالعالم الذي نعيشه يحتاج إلى قدر عال من الدفء الإنساني والحب والتضحيات.فليبحث كل منكم عن صديق..ولَا تناموا وفي قلبكم قلق وخُوف لَأمرٍ مِن أمُور الدُنيَا ناموا وقلبكم كله ثقة بالله بأن كُل شيء سيكون على ما يرام..وتصبحون على الف خير
ولتعلموا أن صديقي هذا هو ....محمود مصطفى عبدالرازق الخطيب ...اللهم ارحمه وامنحه الحياة الأبدية في جنانك الواسعة اللهم آمين وارحمنا وارحم موتانا وجمع موتى المسلمين اللهم آمين
اللهم ارحمه و اغفر له امين يارب العالمين
ردحذفاسال الله ان يرحمه
ردحذفوان يرزقك صلاح اولادك ويرزقك الصحة و العافية
الله يرحمه ويغفر له
ردحذف