-->
كنز المعرفة كنز المعرفة
random

مواضيع مميزة

random
random
جاري التحميل ...
random

حاضنة أطفال من قطع غيار السيارات

أكثر الرسائل التي تصلني وتترك ندوبا في نفسيتي، هي من أناس في مراحل متقدمة من اليأس من وضعهم في العالم العربي. أحاول التفكير معهم في حلول، تارة أجد عزيمتهم لينة، وتارة أجد الظروف تعاندهم بقسوة. لا أملك في هكذا حالات سوى البحث عن قصص وأمثلة لأناس واجهوا مواقف مماثلة ثم كانت لهم الغلبة والنصر في نهاية الأمر. من ضمن هؤلاء الأبطال، المصمم الأمريكي تيموثي بريسترو أو Timothy Prestero.

قبلها دعوني أحكي لك عن قصة أول حاضنة أطفال آلية، تلك الآلة التي تحاكي رحم الأم، وتستضيف بداخلها الأطفال حديثي الولادة، لتحميهم من ظروف الحياة العادية التي يتحملها جسد الكبير منا، لا الصغير. ذات يوم في عام 1870، أخذ طبيب التوليد الفرنسي ستيفان ترنيه يوما إجازة من عمله في مستشفى التوليد في باريس، زار فيه حديقة الحيوانات القريبة، وهناك حيث شاهد ماكينات تفريخ بيض الدجاج، والحاضنات للأفراخ المولودة حديثا.

في هذه الحقبة، كانت معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة تصل إلى وفاة 66% منهم، خاصة المولدين قبل وقتهم المتوقع (أو المبتسرين)، أو بوزن قليل جدا. بعدما حصل على الإلهام من آلات تفريخ الكتاكيت، استعان ستيفان بصديق فني، ليبني له حاضنة أطفال مماثلة، تعمل على تدفئة جوها بزجاجات ممتلئة بالماء الساخن، وبدأ يستعملها في المستشفى حيث يعمل، وبدأ يلاحظ هبوط نسبة وفيات المواليد قبل وقتهم من 66% إلى 38%، بعد دراسة أجراها ستيفان بنفسه وشملت 500 طفل مبتسر.
لا، لم تكن حاضنة ستيفان هي الأولى، لكن دراسته الاحصائية هي التي ألقت الضوء الباهر على أهمية هذه الآلات وفوائدها، وأعطتها الدفعة لكي تتطور وتنتشر وتستخدم في مستشفيات كثيرة حول العالم. لأن تقليد صنع الله عز و جل ليس بالأمر الهين أو الرخيص، فإن محاكاة عمل رحم الأم يجعل من تكلفة الحاضنة العادية التقليدية قرابة 40 ألف دولار فأكثر، لكن هذه ليست المشكلة، المشكلة الفعلية هي في تكاليف إبقاء هذه الحاضنات قيد العمل، فأعمال الصيانة الدورية وقطع الغيار تفوق ثمن شراء مثل هذه الحاضنات وأكثر.
تظهر المشكلة واضحة حين تقرأ عن تبرعات طبية مقدمة لدولة أفريقية أو لمدينة هندية أو قرية في أدغال البرازيل، في صورة آلات طبية متقدمة، في محاولة لتقليل معدلات الوفيات نتيجة نقص الرعاية الطبية اللازمة. تشير بعض الدراسات الإحصائية إلى أن 95% من هذه الآلات الطبية تتوقف عن العمل خلال أول خمس سنوات من استخدامها في مثل هذه المناطق غير المتقدمة. الأسباب كثيرة ومتنوعة، فمن مستخدم لا يتقن اللغة الانجليزية فلا يعرف كيف يقرأ دليل الاستخدام أو التصليح، إلى نقص قطع الغيار، أو غيرها.
رغم النوايا الحسنة، لكن تقديم التبرعات الطبية بهذه الصورة لا يفيد على المدى الطويل، الأمر الذي دفع تيموثي للتفكير كثيرا في كيفية استغلال حاضنات الأطفال المتوقفة عن العمل، في البلاد النامية. أراد تيموثي تصميم آلة مصنوعة من الموارد المحلية، يسهل استخدامها، ويسهل صيانتها وإبقائها قيد العمل، والأهم من كل هذا: تكون اقتصادية التكلفة في متناول هذه البلدان.
في صيف 2007، نظر الطبيب الأمريكي، جوناثان روزن، في حال البلاد النامية، فوجد شبابها يبرع في التصرف بما توفر له من أدوات، ووجد أن السيارات والعربات تستمر في العمل على طرقات البلاد رغم الفقر والتأخر التقني. بالتدقيق أكثر، وجد جوناثان أن سيارات تويوتا فورنر 4Runner تستمر في العمل رغم توقف كل ما عداها، لأن أهل البلاد اكتسبوا خبرة في تصليح هذه السيارات تحديدا، وفي تصنيع قطع غيارها بشكل أو بآخر.
عرض جوناثان على تيموثي الحل: تصنيع حاضنة أطفال من قطع غيار السيارات! بعد 3 سنوات من التفكير وفق هذه النظرة، توصل فريق التصميم Design that matters بقيادة تيموثي إلى تصنيع حاضنة نيونرتشر أو NeoNurture – حاضنة تحاكي عمل رحم الأم بواسطة مكونات مأخوذة من صناعة السيارات، يمكنها العمل من كهرباء فتحة ولاعة السجائر في أي سيارة عادية، أو على بطارية سيارة / دراجة نارية، والأهم، يمكن لشخص عادي أن يفهم طريقة عملها بسهولة.
بالطبع، اختراعات تيموثي قلما يكتب لها النجاح التجاري، حتى أن حاضنته هذه لم يبدأ انتاجها بعد بشكل تجاري كبير، ولم يجد من يريدها منه، ذلك أن حل مشاكل التصنيع والتصميم أمر هين مقارنة بحل مشاكل المعتقدات الذهنية الراسخة والقبول المجتمعي لمنتج ثوري مثل هذا والتسويق له. ذلك لم يمنع حاضنة تيموثي وفريقه من الحصول على لقب أحد أفضل 50 اختراع من مجلة تايمز في عام 2010، وعرضها في المتحف الوطني في نيويورك. (ربما تواصل معه أحد من القراء لتصنيع وبيع هذه الحاضنة في بلادنا العربية).
ما هدفي من قصة كهذه؟ هناك حل ما في مكان ما ينتظر عقل ما ليتوصل إليه. الله عز و جل جعل لكل مشكلة حلا، لكن مثل هذه الحلول عالية الهمة، لا تهبط من السماء، بل تحتاج لعقل يفكر ويبحث ويتدبر، ويعمل مع فريق لا بمفرده، ويعتمد على ما توفر له في بيئته.
أمامك طريقان في عالمك العربي: إما التفكير في حل ما، أو الشكوى. الأول له احتمالات لا بأس بها بنهاية سعيدة. الثاني له نهاية وحيدة حزينة.
هل ألهمتك هذه القصة لحل مشكلتك؟ لماذا نعم ولماذا لا، وكيف ترى الوسائل الممكنة لتحفيز الشباب العربي؟
[مصدر الصورة]

التعليقات



تابعونا على تويتر

تابعونا على الفيس بوك

جميع الحقوق محفوظة

كنز المعرفة

2016 | Development by sayed yassin