أمر مُباشر من الله عز و جل للتدبر في أمر خلق الكون. أمر مباشر لنا لم نعمـــل به لكن هناك من اجتـــهد فعرِف و علِم و تعلّم.
لم يكن هناك شيء، ثم كان كل شيء بقدرة الله. هذا هو ملخص حكايتنا اليوم.
تعتبر نظرية الانفجار الأعظم “The Big Bang” النظرية الوحيدة المقبولة من قِبل أغلب أعضاء المجتمع العلمي لتفسير نشأة الكون. إذْ تشرح نشأة الكون و تحل أغلب الأحاجي الكونية، وتفسر بدقة أسباب الشكل الحالي للكون، بل وتتوقع أيضا بِضعة مسارات مختلفة لانتهاء الكون.
عمر الكون طبقا للنظرية حوالي 13.8 مليار عام، كان الكون في بدايتها نقطة واحدة منفردة أبعادها صفر و ذات درجة حرارة لا نهائية و طاقة لا نهائية و كذلك كثافة لا نهائية. ولا يعلم أحد غير الله ماذا كان قبل هذه اللحظة. و يعتبر العلماء لحظة الانفجار هي لحظة بداية الزمان الذي يمكن للعلم البحث فيه و معرفة أسراره. و في تلك اللحظة كانت القوى الأساسية الأربعة “fundamental forces” (الجاذبية – القوة الكهرومغناطيسية – القوى النووية الضعيفة و القوية) متحدة فيما يسمى بالقوة الموحدة.
و القوى الأساسية الأربعة هي القوى المتحكمة في كل الظواهر الفيزيائية المحيطة بنا. حيث أن قوى الجاذبية هي السبب في انجذاب أي جسيمين لهما كتلة تجاه بعضيهما كدوران الأرض حول الشمس. و القوى الكهرومغناطيسية تتعلق بالضوء و أي جسيم مشحون كهربيا، و تفسر الكثير من الظواهر العلمية كالراوبط الكيميائية. كما استخدمها الإنسان في اختراع العديد من الأجهزة كالتلفاز و الراديو و هواتف المحمول. و القوى النووية القوية هي التي تحافظ على تماسك مكونات النواة، و نراها في التفاعلات الانشطارية في المفاعلات الذرية و القنابل النووية. أما القوى النووية الضعيفة فهي المسؤولة عن التحلل الإشعاعي للعناصر الثقيلة المشعة وإطلاق أشعة بيتا. و القوى الأساسية عدا الجاذبية متشابهة في خصائصها، لكنها مختلفة في مجالات تأثيرها و في الجسيمات الناقلة لها.
في المرحلة الأولى لنشأة الكون، كانت لحظة الانفجار الأعظم و التي تمدد فيها الكون و انخفضت درجة حرارته لدرجة سمحت للطاقة بتكوين الجسيمات الأولية للمادة، و سمحت للقوى الأساسية بالتمايز عن بعضها البعض. و تنقسم المرحلة الأولى – اللحظات الأولى للكون “Very early universe” – لعدة حِقب، بعضها متداخل زمنيا، لكن لكل منها خصائصها و أحـــــداثها:
حِقبة بلانك “Planck epoch” : هي اللحظة منذ الزمن صفر حتى 10 ^-43 ثانية. لم يكن الكون في تلك اللحظة قد بدأ التمدد، و كانت الطاقة و الحرارة و الكثافة لا نهائيين، و كانت القـــوة الأســـــــاسـية الأربعــــــــة متحــــــــــــــدة.
حِقبة التوحيد الكبير “Grand unification epoch” : ما بين 10^-43 حتى 10^-36 ثانية. بدأ الكون في التمدد و انخفضت درجة الحرارة حتى 10^27 كلفن، و انفصـــلت قوى الجاذبية عن باقي القوى الأساسية، و شكلت القوى الثلاثة الباقية ما يسمى بالقوى العيارية. في نهاية حقبة التوحيد الكبير تكونت الجسيمات الأولية للمادة و المادة المضادة من الطاقة، و بفــــــارق ضئيل في الكمـــية لصــــالح جسيمات المادة. وهذا الفارق هو الذي أنشـــــــــــــــــــــأ الكون الحــــالي، وذلك لأن المـــــادة تتحد مع المادة المضادة و تتلاشى متحـــــــــــولة لطـــــاقة.
حِقبة القوى الكهروضعيفة “Electroweak epoch” : ما بين 10^-36 حتى10^-12 ثانية. مــزيد من الانخفـــاض في درجة الحــــرارة مكن القوى النووية القوية من الانفصال عن القــــوى الكهرومغناطيسية و القوى النووية الضعيفة.
حِقبة التضخم “Inflationary epoch” : مجهولة المدة، و ربما استمرت حتى .10^-32 في تلك الحقبة زادت أبعاد الكون بمعامل 10^26 ، و زاد حجمه بمعامل 10^78 ،أي تحول من حجم أصغـــر من الـــــذرة لحجم مجــــرة كاملة تقــــريبا. و تفسر حقبة التضخــــــــم انتشـــــار المـــــادة بشـــكل متســــاو في أنحــــاء الكـــــــــون.
في نهاية حقبة التضخــــم كان الكـــــون مزيج متجــــانس من “بلازمــــا الكوارك-جليونquark–gluon plasma ” أو حساء الكـــواركات و هي حالة فيزيائية لبعض المكـونات الأولية للمادة.
المرحلة الثانية تسمى الكون المبكر” Early universe” و هي المرحلة التي بدأ فيها تكون أغلــــــب الجسيمات الأولية بشكلها الحــــــالي من الكترونات و بروتونات و نيوترونات و فوتونات و جسيماتها المضادة. كما تكون فيها أيضا مجال هيجز “Higgs field” و هو الســــــبب الرئيسي لاكتساب أي جسيم كتلته. و تنقسم المرحلة أيضا لعدة حقــــــــــــبات متداخلة:
حِقبة انفصال القوى الأساسية و حقبة الكواركات “quark epoch” : ما بين 10^-12 حتى 10^-6 ثانية. و ما حدث في تلك الحقبة بالغ الأهمية، حيث انخفضت درجـة حرارة الكون إلى حد معين تسبب في تكون مجال هيجز “Higgs field” بسبب تجمد جسيمات هيجز بوزون “Higgs boson” وتوقفها عن الحركة و اكتسابها كتلة. و بفضل مجال هيجز اكتسبت كل الجسيمات الأولية كتلتها بعد أن كانت مجرد طاقة و تولد مفهوم الكتلة. و أول من تحدث عن مجال هيجز كان عالم الفيزياء النظرية البريطاني بيتر هيجز ” Peter Higgs”، و تم اكتشاف جسيم هيجز في “CERN” عام 2012 ليفوز بيتر بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2013. و بنهاية تلك الحقبة انفصلت القوى الكهرومغناطيسية عن القوى النووية الضعيفة، و أصبحت جميع القـــــــــــــــوى الأساسية الأربعة منفصلة و بشكلها الحالي. لكن كانت طاقة الكون ما زالت لا تسمح باتحاد الجسيمات الأولية لتكون الجسيمات الأكبر.
حِقبة الهادرون “Hadron epoch” : ما بين 10^-6 حتى ثانية كاملة بعد بداية الانفجار : انخفضت درجــــــــة حرارة حساء الكواركات ” بلازما الكوارك-جليون”، و اتحدت الكواركات مع بعضها لتكون جسيمات أثقل تسمى الهادرونات و منها الباريونات (البروتونات و النيوترونات المعروفة لنا من دروس الفيزياء). كما بدأت جسيمات النيوترينو (جسيمات أصغر من الإلكترون و أضعف في الطاقة) في التكون و التحرك بحرية في أنحاء الكون.
حِقبة الليبتون ” Lepton epoch” : ما بين ثانية و عشر ثوان بعد الانفجار : تبدأ جسيمات الهادرون و مضاداتها تتلاشى سوية مخلفة كملية قليلة من جسيمات الهادرون، و تبدأ جسيمات الليبتون (أشهرها الإلكترونات سالبة الشحنة) و مضاداتها في التكون. و تستمر حرارة الكون في الانخفاض، و بعد 10 ثوان لا تسمح درجة الحرارة بتكون جسيمات ليبتون جديدة و ما تكون منها يتلاشى مع مضادات الليبتون ليتبقى كمية صغيرة من جسيمات الليبتون(كما ذكرنا سابقا فالمادة تكونت بعدد أقل قليلا من المادة المضادة).
حِقبة الفوتون “Photon epoch” و تكون النواة “Nucleosynthesis” : من 10 ثواني حتى 380 ألف عام بعد الانفجار : بعد تلاشي المادة و المادة المضادة في الحقب السابقة، أصبحت أغلب طاقة الكون مكونة من فوتونات و ما زال الكون يتوسع و ما زالت حرارته تنخفض. و بعد 3 دقائق أصبحت الحرارة ملائمة لبدء تكون نواة العناصر. في تلك الحقبة بدأت البروتونات الموجبة-أيونات الهيدروجين- في الاندماج النووي مع النيوترونات لتكون نواة الهيدروجين الثقيل”الديوتيريوم”، و الذي يبدأ في الاتحاد مع بعضه مكونا نواة الهيليوم. و ينتهي الاندماج النووي بعد 17 دقيقة فقط تقل فيهم درجة حرارة الكون و كثافته لدرجة لا تسمح بمزيد من الاندماج، مخلفا أنوية الهيليوم الموجبة و ثلاثة أضعافها من أنوية الهيدروجين الموجبة و قليلا جدا من أنوية الليثيوم.
حِقبة المادة “Matter domination” : بعد حوالي 70 ألف عام تصبح كثافة الفوتونات مساوية لكثافة الأنوية. و تبدأ المادة السوداء “dark matter”في تكوين مناطق ذات كثافة أكبر تزداد بمرور الزمن، في مقابل المناطق الأخرى ذات الكثافة الأقل و التي تنخفض كثافتها أيضا بمرور الزمن.. و سنتحدث عن المادة السوداء لاحقا.
حِقبة الاتحاد “Recombination” : بعد حوالي 378 ألف عام من الانفجار الكبير، ما زال الكون يتسع و ما زالت حرارته تنخفض حتى سمحت للالكترونات بالاتحاد مع أنوية الهيدروجين و الهيليوم الموجبة لتكوين الذرات المتعادلة كهربيا. و كانت الفوتونات قبل ذلك تتفاعل مع الجسيمات المشحونة كهربيا، أما الآن فبعد الاتحاد أصبحت حرة الحركة، و أصبح الكون شفافا يسمع بانطلاق الفوتونات و التي كونت ما يسمى إشعاع خلفية الكون قصير الموجة ”cosmic microwave background radiation” أو الضجيج الكوني. و يمكن رصد هذا الإشعاع عند النظر لأي جزء في الكون ليس به نجوم، و يوجد بشكل متساوي تماما في جميع أنحاء الكون. و تم رصده لأول مرة عام 1965 بواسطة عالما الفلك روبرت ويلسون “Robert Wilson” و أرنو بنزياس “Arno Penzias” بواسطة لاقط الموجات القصيرة “Holmdel Horn Antenna” بأميركا، و حاز العالمان على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1978 لاكتشافهما. و تستخدم ناسا منذ 2001 المسبار الفضائي “WMAP” لرصد هذا الإشعاع، و رسم خريطة للكون المبكر، و لمعرفة الكثير من أسرار اللحظات الأولى للكون.
في المرحلة الثالثة من نشأة الكون كانت الكثافات متباينة بشكل طفيف في الكون. ثم تكونت مناطق تسمى السحب الكونية تزيد فيها الكثافة و الضغط بشكل أكبر بفضل قوى جذب المادة المضادة، و بدأت ذرات الهيدروجين و الهيليوم في تلك المناطق شديدة الضغط في الاصطدام ببعضها البعض لتبدأ تفاعلات اندماجية، و تكون النجوم الأولية و الكوارزات -مناطق شديدة الإضاءة- و ذلك بعد 150 مليون عام و لمدة مليار عام. و كان الاندماج بين أنوية الهيدروجين و الهيليوم و الليثيوم ينتج طاقة، و يكون العناصر الأثقل، لكن مازالت النجوم خالية من المعادن الثقيلة –نجوم الجيل الأول-. و خلال تلك الفترة تسببت الطاقة الشديدة الناتجة عن تلك النجوم في تأين-تحويل الذرة لأيون موجب- مكونات الكون حولها و خصوصا الهيدروجين فيما يعرف بحقبة إعادة التأين “Reionization”.
ثم بدأت المجرات الأولى في التكون في المناطق الأكثر كثافة، و تكونت أول مجرة بعد حوالي 500 مليون عام من الانفجار الكبير. ثم بدأت المجرات في التجمع حول بعضها البعض، و ازداد حجمها بإندماج المجرات الصغرى، وبدأت نجوم الجيل الثاني و الثالث في التكون داخلها، و بدأت المجموعات العملاقة من المجرات في التكون.
تكونت جميع العناصر الثقيلة داخل النجوم نتيجة التفاعلات الاندماجية بين أنوية الهيدروجين و الهيليوم لتكوين نواة أثقل. ومقدرة نجم ما على دمج عناصر ثقيلة تتناسب مع كتلته طرديا، و يمكن للنجوم دمج عناصر حتى عنصر السيليكون مكونة الحديد. أما بالنسبة للعناصر الأثقل فلا يمكن إنتاجها بتفاعل اندماجي نووي في قلب النجوم أثناء فترة نشاطها، لكنها تتكون عند انفجار النجوم العملاقة و خصوصا نجوم السوبر نوفا. نحن: بدأت مجموعتنا الشمسية في التكون منذ حوالي 4.6 مليار سنة، نتيجة لتكثف جزء من سحابة كونية ناتجة عن انفجار أجيال قديمة من النجوم. و ازدادت كثافة مركز السحابة لتكون الشمس، و كون باقي السحابة – عند انخفاض درجة حرارته – الكواكب و الأقمار المكونة للمجموعة الشمسية.
و الآن و بعد حوالي 13.8 مليار عام من لحظة الانفجار الأعظم، ما زال الكون في توسع، و ما زالت نجوم قديمة تنفجر، و نجوم جديدة تتكون. فمم يتكون الكون الآن ؟ و مالذي يتحكم فيه؟
لا نحتاج لكثير من التفكير لنجيب عن سؤال مم يتكون الكون؟ بالتأكيد المادة. حسنا… ليست الدنيا بهذه السهولة بالتأكيد. فمن خلال مراقبة العلماء للكون وجدوا أن المادة المرئية في الكون و توزيعها لا يفسر أبدا تكون المجرات بشكلها الحالي، ولا يفسر دوران النجوم حول مراكز المجرات بسرعات متقاربة مهما كان بعد النجم عن مركز المجرة. فيرا روبين “vera rubin” عالمة الفلك الأمريكية هي أول من لاحظ مشكلة دوران المجرات بسرعات متقاربة مهما كان بعد النجم عن مركز المجرة، و في العام 1970 أثبتت نظريا أن هناك مادة غير مرئية محيطة بكل مجرة، و تملك أغلب كتلة المجرة و أسمتها المادة السوداء “dark matter”. و المادة السوداء بكتلتها و كثافتها و قوة جذبها العالية هي السبب الرئيسي في تكون المجرات. و المادة السوداء يجب أن تكون قليلة الطاقة متعادلة كهربيا و قديمة قدم الانفجار الكوني نفسه. و يسمي العلماء جسيمات المادة السوداء “WIMP” و هي اختصار ل”الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل”. و هناك عدة محاولات لالتقاط تلك الجسيمات بل و انتاجها أيضا في معامل “CERN” في سويسرا و فرنسا، و معامل “XMASS” في اليابان.
لكن ما زال هناك لغز، فقد اكتشف العالم آدم ريس “Adam Riess” من فريق “High-z supernova research team” أن الكون يتمدد بشكل متسارع، و قد فاز الفريق بجائزة نوبل عام 2011 لهذا الاكتشاف. فما سبب هذا التسارع؟ يفترض العلماء أن هناك نوع من الطاقة يسمى الطاقة السوداء تملأ جنبات الكون بنسبة أكبر بكثير من كتلة المادة جمعاء، و هذه الطاقة هي السبب في هذا التسارع. و يعتقد العلماء أيضا أن لهذه الطاقة دور كبير في نهاية الكون بعد مليارات السنوات.
و نسب الطاقة أو المادة في الكون مختلفة، فتشكل النجوم و المجرات حوالي 0.5 % فقط من الكون، و تشكل جسيمات النيوترينو الناتجة عن التفاعلات النووية داخل النجوم حوالي 0.1 ل 0.7 %، بينما تشكل باقي المادة من بروتونات و نيوترونات و الكترونات حوالي 4.4 %. و تشكل المادة السوداء 25% من الكون و الطاقة السوداء 70% من الكون. بينما تشكل المادة المضادة 0%، حيث أن ما ينتج منها يتحد مع نظيره من المادة و يتلاشى منتجاً لطاقة. و المسبار الفضائيWMAP يؤكد الكثير من تلك المعلومات، حيث أكد أن الكون يتوسع بشكل متزايد، و جعل من الطاقة السوداء ثابتا كونيا يتحكم في حركة الكون و توسعه. كما تم إنتاج و رصد الكثير من الجسيمات المكونة للمادة في مصادم الهادرون الكبير“large Hadron Collider” في معامل “CERN” بين فرنسا و سويسرا. و يعتبر “LHD” أكبر معجل جزيئات في العالم حتى الآن، و يستخدمه العلماء في محاكات اللحظات الأولى من الانفجار الأعظم.
فما الذي سيحدث مستقبلا حسب تصور العلماء لكل ما بين أيديهم من معلومات؟ على مستوى المجموعة الشمسية، فالعلماء يتوقعون أن تنتهي الحياة على الأرض بعد مليار عام من الآن، وذلك لأن الشمس ستزيد من إنتاج الحرارة بدرجة لن تتحملها الحياة، وستقوم بتبخير مياه الأرض، و يتبع ذلك اختلال في مغناطيسية الأرض، مع اضطراب شديد في المناخ. وبعد حوالي 5.4 مليار عام، ستتحول شمسنا إلى عملاق أحمر اللون، وبعد حوالي 7.5 مليار عام ستتمدد الشمس و تبتلع الأرض. و بعد بضع مليارات من السنوات، ستتحول الشمس إلى قزم أبيض صغير الحجم شديد الكثافة، توَقّفَ دمجُ الذرات في قلبه، و يشع القليل من الطاقة، ومن ثم عندما تبرد تماما، فإنها تتحول إلى قزم أسود. هذا بالنسبة للمجموعة الشمسية.
أما بالنسبة للكون، فيتوقع العلماء العديد من النهايات أهمها ما يسمى بالتجمد الأعظم “Big freeze”، حيث سيستمر تمدد الكون إلى مالا نهاية، و ستتوقف جميع النجوم عن إنتاج الطاقة بعد 10^14 عام بسبب انتهاء وقودها من الهيدروجين و العناصر الخفيفة، و يتوقف تكون نجوم أخرى، و بعد ذلك ستبدأ المجرات و الثقوب السوداء في التحلل. و بعد حوالي 10^34 عام، ستبدأ السحب الكونية في التحلل مكونة جسيمات ليبتون و فوتونات. و في تلك المرحلة يكون الكون شديد البرودة و الظلام، محققا حالة عالية من التجانس و التوازن الحراري.
سيناريو آخرى يتوقع إنسحاق الكون على نفسه “Big Crunch” بعد أكثر من 100 مليار عام، بعد أن يتوقف عن التمدد و من ثم يعاود التجاذب مرة أخرى، و تزداد درجة حرارته و كثافته، لكن الملاحظات الفلكية الحالية تنفي مثل هذا السيناريو، لأن الكون ما زال يتمدد و بشكل متسارع أيضا بقوة الطاقة السوداء.
لكن هناك سيناريو ثالث يسمى التشتت الأعظم “Big Rip”، حيث تسيطر فيه الطاقة السوداء على مقادير الأمور في الكون، و تدفعه نحو مزيد من التمدد بحيث لا تستطيع أية قوى جاذبية أو قوى كهرومغناطيسية أن تحافظ على جسيمات المادة، و فعليا لا تصبح هناك أي مادة إطلاقا في الكون، و تصبح الطاقة السوداء هي كل شيء موجود.
كل ما عرفناه الآن عن نشأة الكون كان نتيجة فضول علماء بحثوا عن أسئلة تشغل بالهم فتعلموا و علموا. فلن ننسى تليسكوبات جاليليو، و نموذج كوبرنيكوس للمجموعة الشمسية و مركزها الشمس، و نيوتن و اكتشافه الجاذبية و صياغته لقوانين الحركة، مرورا بنسبية أينشتاين، و اكتشافات ستيفن هوكينج في الكون، أيضا جورج لوميتر الأب الروحي لنظرية الانفجار الأعظم، و إدوين هابل الذي سمي عليه تليسكوب هابل العملاق، و غيرهم الكثير و الكثير من العلماء.
و لكن من قال أن فضول العلماء يتوقف؟ هناك مشاريع مستقبلية يتنافس فيها الجميع لمزيد من سبر أغوار الكون المظلم و معرفه أسراره، حيث يعمل الاتحاد الأوروبي على مشروع إطلاق قمر صناعي عام 2020 يسمى “Euclid” -على اسم العالم السكندري اليوناني إقليدس-، كما تعمل مجموعة من العلماء على مشروع إنشاء تليسكوب عملاق يسمى “LSST” في شيلي لتصوير مجرة درب التبانة بشكل أفضل، و أيضا تصوير انفجارات النجوم العملاقة، و محاولة رصد الطاقة السوداء و المادة السوداء و تأثيرتها على حركة الكون، و يتوقع إتمام بناؤه عام 2022.
و في الختام ، فرغم ما أثاره فيّ هذا الموضوع من فضول وشغف علمي، ومتعة البحث والتقصي، لكنه بعث في صدري زفرات حارة نتيجة غياب أمتنا التام عن هذا المجال ، والندرة الشديدة للمشاركة العربية فيه رغم الأمر الإلهي الصريح منذ أكثر من 14 قرنا بالبحث فيه وغيره من بدائع صنعة الله في الكون ..فأرجو أن يكون لجيلنا و الأجيال القادمة شرف تغيير هذا الواقع إن شاء الله.