ما
سر تلك القوة الخفية التي تبعث في النفوس الرغبة في الإنجاز؟ ما ذلك
الوقود الذي يبث الطاقة في العقول التواقة لممارسة الابداع؟ و لماذا ذلك
الشعور بالمتعة وأنت تتجاوز المألوف من الأشياء؟ تباً للروتين الذي يبعث في
النفوس الملل، و تحية للإلهام الذي يشعل في البشر طاقات التجدد و الحيوية.
الإلهام
ذلك المغناطيس الخفي النابع من الذات، ذلك النوع من الجنون أو الهوس الذي
يبعث الطاقة في الحياة الكامنة. فمن أين للشعراء ذلك الكلام الجميل لولا
الإلهام؟
ما
هي الأشياء التي تبعث الإلهام في النفس؟ فكرت ملياً ثم وجدت أن مبعث
الإلهام في أبسط شيء في الحياة وهو الابتسامة. الابتسامة التي تمنحك دفئ
الشمس. ابتسامة طفل بريئة قد تضيء حياتك بهجة و سحراً. أو ليس الطفل وحده،
ذلك الكائن الضعيف بجسمه و قدراته، القادر على بث الإلهام في النفوس.
تصوروا كم من الكلام الجميل الذي يمكن أن يقال شعراً أو نثراً بعد تأمل وجه
الطفولة.
هل
هناك أبسط من الوردة؟ لكن ما هو مفعولها؟ الوردة تبعث العطر في الوجود حتى
لو لم يكن اسمها وردة؟ أليست الوردة بألوانها و أشكالها المختلفة مصدراً
للإلهام؟ تأمل ما يمكن أن تقوله لك الوردة؟ الوردة التي لا تعيش طويلاً،
لكنها تبعث في الحياة معاني البهجة.
كيف
يمكن للإنسان أن يصبح ملهماً (بفتح الهاء)؟ أم أن الإلهام قدر يعطى للبعض و
يمنع عن غيرهم؟ الطبيعة مصدر غني للإلهام، والتعرض لمصادرها فرصة ثمينة
لالتقاط اشارات الإلهام، فلنبحث عن عصفور مغرد ونتأمل صوته وألوان ريشه
الجميل.
إن
الإلهام مثل التنفس شهيقاً وزفيراً فبدونهما تنتهي الحياة في الانسان، وإن
الإلهام مثل نبضات القلب التي تخفق فتبث الحياة في العروق. و إن الإلهام
في تلك الرغبة لمعرفة النفس والتمدد خارج حدود الجسم. وإن الإلهام مخاطبة
الروح للجسم ففي اتحادهما جمال الأفعال.
في
حياة كل منا فرصة للإلهام، حتى لو لم نشعر بها أو نتذكرها زماناً و
مكاناً. فالأشخاص و الأشياء في حياتنا ومن حولنا مصدر الهام. هل فكرت لحظة
عندما سمعت إيقاع حبات المطر، أو عندما دخل الدفء إليك من أشعة الشمس؟
إن
الإلهام يكمن في جعل قلوبنا مفتوحة للإثارة من عناصر الطبيعة أو من أفعال
الأشخاص و أشكالهم من حولنا. فالإلهام ينعش القلب و يداعب العقل فيثيرهما
من أجل اكتشاف الحياة.
ومن
أجل اكتشاف الإلهام لابد من أن نبتعد عن الملل والرتابة في حياتنا،
فالأشياء الرتيبة والناس المملون لا يمكن أن يكونوا مصدراً للإلهام. إن
محاولة كسر الروتين فرصة جيدة للإلهام، فهل حاولنا تغيير الأنماط السلوكية
اليومية التي نعيش من أجل خلق الظروف المواتية للإلهام؟
إن البشر مصدر للإلهام، فهل بحثنا عن أولئك الناس الذين يمكن أن نتأثر بهم؟
لا
بد للإنسان من أن ينطلق خارج حدود ذاته لاستشعار الإلهام. لا بد من التعرض
للخبرات النوعية من أجل تخصيب الإلهام. لا بد من الحماس و الاهتمام و
الانتباه لكل ما هو حولنا، و لا بد من أن نترك الفرص لعقولنا وقلوبنا لكي
تمتزج بكل ما هو جميل في هذه الحياة، فالجمال والجمال وحده هو مبعث
الإلهام، وفي ذلك فليتسابق المتسابقون!